تفسير الاية الكريمة:( إنّ الذين كَفروا سواءٌ عليْهم ، أ أنْذرْتهُم أمْ لمْ تُنذرْهُم ، لا يـؤمنـون ) البقرة 6

الكافر : هو الذي يعْلَمُ الحقّ لكنّه لا يُؤْمنُ به عِـناداً و عنْ سابق إصرارٍ و تصميم ، لذلكَ هـو لا يحتاجُ إلى [ إقناعٍ ] ، لأنّهُ يعْلمُ الحقيقة ، و لا يُريدُها ،
و [ الكُفْـرُ ] : هـو [ التغطية ] ، لذلك يُسمّى المُزارعُ [ كـافراً ] لأنّهُ يُغطّي الأرض بالنباتات ، قال تعالى : ( أعْجَبَ الكُـفّارَ نبـاتُه ) الحديد 20 ، أيْ : المُزارعين ، و الكثير منَ القُرى تبدأ بكلمة [ كَـفْر ] أيْ : [ مزرعة ] ، و قوله تعالى : ( عسى ربّكُم أنْ يُكَـفّرَ عنكُم سـيّئاتكم ) التحريم 8 ، أيْ : يُغطّيها ، و منْه كلمة [ الكفّارة ] لأنّهـا [ تُغطّي ] الذنوب ، قال تعالى : ( ذلك كفّـارةُ أيمانكُم ) المائدة 89 .

و [ الكُـفْرُ ] نـوعان :
1 _ كُـفْرُ عبـادة : و هو مـا أوضحتْهُ [ سورة الكافرون ] : ( قُلْ يا أيّهـا الكافرون : لا أعبدُ مـا تعبدون ، و لا أنتُم عابدون مـا أعبد ، و لا أنـا عابدٌ ما عبدتُم ، و لا أنتُم عابدون ما أعبد ، لكُم دينُكُم و ليّ دين ) .
و المُلاحظُ في هذه السورة الكريمة : أنّها تحدّثت عن الرسول الكريم بالصيغتين : الفعليّة ( أعبُدُ ) و الإسميّة ( عابد ) ، و بالمُضارع ( تعبدون ) و الماضي ( عبدتُم ) ، فنفى [ الكُفْر ] عن رسوله الكريم في الحالتين : الثابتة [ الحاليّة ] و المُتغيّرة [ المُستقبل ] ، و هذا [ غاية الكَمال ] و ثبات موقف الرسول الكريم [ حاضراً و مُستقبلاً ] .
بينمـا بالنسبة [ للكافرين ] فقد [ كرّر ] الآية الكريمة مرّتين و بالصيغة الإسميّة فقط : ( عابدون مـا أعبدُ ) دونَ ذكْر مُستقبل الكافرين ، لأنّهُم فعلاً في المُستقبل هُمُ الذين غيّروا موقفهُم و عبادتهُم ، و دخلوا في دين الله أفواجاً ، فجاءتْ [ سورة النصر ] بعْد سورة [ الكافرون ] مُباشرةً : ( إذا جاء نصْرُ الله و الفتْح ، و رأيْتَ الناس يدخلون في دين الله أفواجاً ... ) ،
فإصْراره صلى الله عليه و سلّم على [ عدَم الكفْر ] ، أقوى بكثير منْ إصرارهمْ على [ الكُفْر ] ، فما أروع هذه البلاغة في القرآن الكريم ؟ !!!!!!!! .

2 _ كفْـر [ نعْمة اللّـه ]
و هذا النوع منَ [ الكُفْر ] ، لا يُخْرجُ صاحبه منَ الإسلام ، مثال قول سليمان عليه السلام : ( ليبْلوَني أ أشْكُرُ أمْ أكْـفُرْ ) النمل 40 ، و الكثير من الأحاديث النبويّة الشريفة تتحدّثُ عن هذا النوع منَ [ الكفْر ] ، مثال : [ ليْسَ منْ رجُلٍ إدّعى لغيْر أبيه و هو يعلمهُ ، إلاّ كفَر ] رواه الإمام البخاري ، و كذلك : [ ليس بينَ العبْد و الكفْر إلاّ ترْكُ الصلاة ] رواه الإمام مسلم برقم 82 ، و كذلك : [ لا يزني الزاني و هُو مُؤمن ..... ] و قد كتبّ الخليفة عثمان بن عفّان رضي الله عنه ، يوم الفتنة إلى مُعاوية في الشام : [ أمّـا بعْد ، فإنّ أهْل المدينة قدْ كَـفروا ، و أخلفوا الطاعة ... ) تاريخ الطبري الجزء 2 الصفحة 662 .

يسْتوجبُ العفْـوَ ، الكريم إذا اعْترفْ ..... و تـــــابَ عمّـا قـدْ جَنـاهُ و اقْتــرفْ
لقوْلــــــــه : ( قُـلْ للّــذين كــفروا ...... إنْ ينتهوا ، يُغْفـرْ لـهُم مـا قدْ سَلَفْ )
سورة الأنفال ، الآية 38

كلّ هذا و الله أعلم